لماذا تُغلق أغلب المتاجر أبوابها في عامها الأول؟

2 نوفمبر 2025
ابرار

يبدأ المشهد دائمًا بالطموح ذاته: شاب أو شابة يقرّران خوض السوق، يفتتح متجرًا إلكترونيًا أو علامة جديدة، يختار الاسم بعناية، يشتري الشعار، ويظنّ أن الحلم قد بدأ.

لكن السوق لا يرحم الأحلام غير المحسوبة.

ففي غضون أشهر قليلة، يتبخّر الاندفاع الأوّل، وتبدأ موجة الشكاوى ذاتها: “لا اجد مبيعات لما لا احد يدعم، السوق راكد.”

ولا أحد يريد أن يسمع الحقيقة البسيطة القاسية:

لم يكن في المشروع رؤية بل رغبة.

1. الحماس المفرط: الوقود الذي يحرق صاحبه.

الحماس جميل، لكنه إن لم يُضبط بالوعي، يتحوّل إلى نار تأكل صاحبها.

في السوق العربي اليوم، يدخل التاجر الجديد المجال متوهّجًا بالحلم، مبهورًا بنجاح التجار الاقدم منه. يرى أرباحهم في القصص، ومبيعاتهم في حديث الناس ، فيظنّ أن السرّ في تقليدهم.

يشتري نفس المنتج، يقلّد نفس الأسلوب، بل حتى يقتبس العبارات ذاتها ظنًّا أن الحظ سيلتحق به إن ارتدى عباءة غيره.

لكنه ينسى أن ما يراه من نجاح هو نتيجة سنوات من الفشل المنظَّم، وسلسلة قرارات مبنية على بيانات وتخطيط واستثمار.

السوق لا يمنح المجتهد العشوائي فرصة ثانية.

من لا يملك خطة واضحة، سيُستنزف قبل أن يعي ما الذي استنزفه أصلًا.

2. المنتج بلا رؤية.

أغلب التجار يبدأون من المنتج لا من الغاية.

يسأل: “ ماذا أبيع؟” بدل أن يسأل: “لماذا أبيع؟ ولمن؟ وكيف سأستمر بعد البيع؟” بل بالكاد يستطيع اجابتك

فيغرق في بحر التفاصيل اليومية — تصميم، تغليف، شحن — بينما يجهل أبسط سؤال إداري:

هل أملك نظامًا يجعل هذا العمل يعمل بدوني؟

الرؤية هي ما يجعل المنتج يخدم هدفًا أكبر من البيع.

هي ما تُحوّل المتجر من فكرة طارئة إلى مشروع يستحق البقاء.

ومن دونها، يصبح المشروع مثل بيت جميل على رمال متحركة: مظهر جذّاب، لكنه لا يصمد أمام أول موجة.

3. غياب الإدارة: النزيف الصامت.

التاجر العربي الجديد غالبًا لا يرى نفسه مديرًا بعد؛ هو ما زال “صاحب مشروع صغير”،

لكن الحقيقة أن كل مشروع، مهما كان حجمه، يحتاج عقل مدير قبل يد بائع.

غياب الإدارة يعني غياب النظام المالي، غياب المراقبة، غياب الأهداف الشهرية،

وبالتالي ضياع الجهد والمال في دوّامة لا تنتهي من القرارات اللحظية.

تراه يصرف على الإعلانات بلا حساب، يغيّر الأسعار كل أسبوع، يبدّل المنتج في منتصف الموسم،

ثم يتساءل في نهاية العام: “اين الأرباح؟”

والجواب واضح: تلاشت مع الفوضى التي لم يدوّنها، ولم يحاسبها، ولم يتعلّم منها.

4. التسويق ليس ترف بل عضلة البقاء.

الكثير يظنّ أن البيع سيأتي وحده، أن الجودة ستسوّق لنفسها، وأن الزبائن سيأتون بـ"الكلام الطيّب".

لكن السوق اليوم لا يكافئ الصامت.

من لا يتعلّم التسويق، أو لا يستعين بمختص، يختفي.

فالمنافس لا ينام، والمنصّات تغيّر قواعدها كل شهر،

والعميل لا يرى من المتاجر إلا من يسوق بذكاء.

التاجر الذي لا يخصّص ميزانية للتسويق، كمن يبني متجره في الصحراء ويغضب لأن أحدًا لم يمرّ عليه.

5. “رشدا عندما تتحوّل الأداة إلى وعي.

النجاة من هذا المصير لا تحتاج معجزة، بل نظامًا واعيًا.

أداة تربط العاطفة بالأرقام، والحماس بالتحليل.

2026 وهذا بالضبط ما جاءت به أجندة رشدا:

ليست دفترًا، بل عقلًا تجاريًا مساعدًا،

تُعلّم التاجر أن يرى مشروعه ككيان حيّ، له دورة حياة، وأهداف، ومؤشرات، وتاريخ من القرارات التي يجب أن تُراجع وتُفهم.

رشدا تضع التاجر أمام مرآة واقعه:

كم ربحت؟ كم خسرت؟ ماذا تعلمت؟ أين كنت الشهر الماضي وأين أصبحت اليوم؟

إنها ليست أوراقًا تُكتب بل قرارات تُبنى.

ومن يملك هذا الوعي، لا يخاف من السوق، بل يقوده.

الختام

المتاجر لا تموت لأن السوق قاسٍ، بل لأنها وُلدت بلا عقلٍ يُديرها.

والتاجر لا يفشل لأنه لم يعمل، بل لأنه لم ينظّم عمله.

في السوق، من يكتب يفهم، ومن يفهم يستمر.

ورشدا خُلقت لتعلّم التجار معنى البقاء الواعي.

not found